كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أرسل إلى نصارى نجران يدعوهم فيه إلى الإسلام ، فبعثوا إليه بوفد من أشرافهم ليقابلوه ، ودار النقاش طويلاً بين أولئك النصارى وبين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ونزلت الكثير من الآيات التي تجيب عن تساؤلاتهم .
وبعد أن رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تعنّتهم وإصرارهم على تزوير الحقائق دعاهم إلى المباهلة – أي الملاعنة - كما أمره الله تعالى في قوله : { فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين } ( آل عمران : 61 ) ، فامتنعوا عن المباهلة خشية أن يكون ذلك سبباً في هلاكهم ونزول العذاب عليهم ، ثم تصالحوا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – على دفع الخراج ، واشترطوا أن يبعث معهم رجلاً أمينا لقبض المال منهم ، فأرسل معهم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أمين هذه الأمة ، رواه البخاري ، ثم ما لبث الإسلام أن انتشر بينهم ، حتى بعث النبي – صلى الله عليه وسلم – من يأخذ منهم صدقاتهم.
وفد بني حنيفة
جاء وفد بني حنيفة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكانوا سبعة عشر رجلاً فيهم مسيلمة الكذّاب ، فأسلموا ونزلوا في دار بنت الحارث التي كانت مخصّصة للوفود ، أما مسيلمة فكان يطمع في الملك والرياسة واستنكف عن الإسلام ، ولذلك كان يقول لمن حوله : " إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته " ، فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم – مقالته أقبل إليه ومعه ثابت بن قيس رضي الله عنه ، وفي يده عليه الصلاة والسلام قطعةٌ من جريد النخل ، فقال – صلى الله عليه وسلم – : ( لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ، ولن تعدو أمر الله فيك ، ولئن أدبرت ليعقرنك الله ، وهذا ثابت يجيبك عني ) ، ثم انصرف عنه ، رواه البخاري .
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قد رأى في منامه كأنّ في يديه سوارين من ذهب ، فأصابه الهمّ لذلك ، حتى سمع في المنام من يأمره أن ينفخ فيهما ، فلما فعل ذلك استحالا تراباً ، فأوّلهما النبي – صلى الله عليه وسلم – بخروج من يدّعي النبوة كذباً وبهتاناً ، فكان أحدهما العنسيّ في اليمن ، ومسيلمة في بني حنيفة ، وتفاصيل الرؤيا في صحيح البخاري .
وفد الحميريّين من أهل اليمن
كانت للحميريّين وفادة في السنة التاسعة من الهجرة وافقت قدوم وفد بني تميم ، وكانوا أفضل منهم ، فقد قبلوا بشارة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، كما جاء عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم : ( يا أهل اليمن اقبلوا البشرى ، إذ لم يقبلها بنو تميم ) فقالوا : " قبلنا " ، رواه البخاري ، ثم قالوا : " أتيناك لنتفقّه في الدين " ، وسألوه عن بدء الخلق وأحوال العالم ، فأجابهم النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك كلّه كما في البخاري .