حديث " لتتبعن سنن من كان قبلكم . . . "
وقوله : "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه . قالوا : يا رسول الله ! اليهود والنصارى ؟ قال : فمن" .
وقوله : "ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة".
فهذه المسألة أجل المسائل ، فمن فهمها فهو الفقيه . ومن عمل بها فهو المسلم ، فنسأل الله الكريم المنان أن يتفضل علينا وعليكم بفهمها والعمل بها .
بناء بيت الله الحرام
أما البيت المحرم : فإن إبراهيم واسماعيل -عليهما السلام- لما بنياه ، صارت ولايته في إسماعيل وذريته ، ثم غلبهم عليه أخوالهم من جرهم ، ولم ينازعهم بنو إسماعيل ، لقرابتهم وإعظامهم للحرمة ، أن لا يكون بها قتال ، ثم إن جرهم بغوا في مكة ، وظلموا من دخلها ، فرق أمرهم ، فلما رأى بنو بكر بن عبد مناف بن كنانة ، وغبشان من خزاعة ، أجمعوا على جرهم ، فاقتتلوا فغلبهم بنو بكر وغبشان ونفوهم من مكة .
وكانت مكة في الجاهلية لا يقر فيها ظلم ، ولا يبغي فيها أحد إلا أخرج ، ولا يريدها ملك يستحل حرمتها إلا هلك .
ثم إن غبشان -من خزاعة- وليت البيت دون بني بكر . وقريش إذ ذاك حلول وصرم ، وبيوتات متفرقون في قومهم من بني كنانة . فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك ، حتى كان آخرهم حليل بن حبيشة ، فتزوج قصي بن كلاب ابنته .
فلما عظم شرف قصي ، وكثر بنوه وماله ، هلك حليل ، فرأى قصي أنه أولى بالكعبة وأمر مكة ، من خزاعة وبني بكر ، وأن قريشاً رؤوس آل إسماعيل وصريحهم ، فكلم رجالاً من قريش وكنانة في إخراج خزاعة وبني بكر من مكة ، فأجابوه .
الحج في الجاهلية
وكان الغوث بن مرة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر يلي الإجازة للناس بالحج من عرفة ، وولده من بعده ، لأن أمه كانت جرهمية لا تلد ، فنذرت لله إن ولدت رجلاً : أن تتصدق به على الكعبة يخدمها ، فولدت الغوث ، فكان يقوم على الكعبة مع أخواله من جرهم ، فولي الإجازة بالناس ، لمكانه من الكعبة ، فكان إذا رفع يقول :
اللهم إني تابع تباعة إن كان إثماً فعلى قضاعة
وكانت صوفة تدفع بالناس من عرفة ، وتجيزهم إذا نفروا من منى . فإذا كان يوم النفر أتوا رمي الجمار ورجل من صوفة يرمي لهم ، لا يرمون حتى يرمي لهم ، فكان المتعجلون يأتونه يقولون : ارم حتى نرمي ، فيقول : لا والله ، حتى تميل الشمس . فإذا مالت الشمس رمى ورمى الناس معه ، فإذا فرغوا من الرمي وأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بالجانبين ، فلم يجز أحد حتى يمروا ، ثم يخلون سبيل الناس .
فلما انقرضوا ورثهم بنو سعد بن زيد مناة من بني تميم .
وكانت الإفاضة من مزدلفة في عدوان يتوارثونها ، حتى كان آخرهم كرب بن صفوان بن جناب : الذي قام عليه الإسلام .
فلما كان ذلك العام ، فعلمت صوفة ما كانت تفعل ، قد عرفت العرب ذلك لهم ، هو دين لهم من عهد جرهم وولاية خزاعة، فأتاهم قصي بمن معه من قريش وقضاعة وكنانة عند العقبة ، فقال : نحن أولى بهذا منكم ، فقاتلوه . فاقتتل الناس قتالاً شديداً ، ثم انهزمت صوفة وغلبهم قصي على ما كان بأيديهم .
وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر عن قصي ، وعرفوا أنه سيمنعهم ، كما منع صوفة ، ويحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة .
فلما انحازوا بادأهم وأجمع لحربهم ، فالتقوا واقتتلوا قتالاً شديداً ، ثم تداعوا إلى الصلح ، فحكموا يعمر بن عوف ، أحد بني بكر، فقضى بينهم بأن قصياً أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة . وكل دم أصابه قصي منهم موضوع شدخه تحت قدميه ، وما أصابت خزاعة وبنو بكر ففيه الدية وأن يخلى بين قصي وبين الكعبة ، فسمي يومئذ يعمر الشداخ .