إننا ندعوك لأن تعمل في يومك عمل من أيقن أن شمسه آذنت بالمغيب، فهو يودع دار الفناء، ويستقبل دار البقاء.
قد تقول لي: إن لي نفسا شرودا جموحا، كلما حاولت أن ألجمها بلجام التقوى، وآخذها بالعمل المرتضى دافعتني، وذهبت مني كل مذهب، فلا تنقاد إلي، ولا تستكين إلى الحق، فكيف حيلتي مع هذه النفس الحرون، وكيف أداوي أدواءها، وكيف ألزمها الصراط المستقيم ؟!
والجواب أن النفس كالطفل الرضيع إن لم تفطمه عن ثدي أمه شب وهو يلتقم الثدي وإن فطمته انفطم. والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
ونفوسنا تحتاج إلى ترويض كي تستقيم على طاعة الله، وتتخلص من أدوائها كالظلم والجهل والعجلة، فقد وصف الله الإنسان بأنه ظلوم جهول عجول {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا}(سورة الأحزاب: 72). {وكان الإنسان عجولا}(سورة الإسراء: 11).
ومفتاح النفس الإنسانية الذي تقوم به وتتهذب جاء به الإسلام، فإذا هديت إليه انقادت نفسك واستقام أمرك.
إن هذه النفوس إذا عرفت خالقها ومولاها ومعبودها ووقفت بين يديه، والتفتت إليه وشغلت به صفا معدنها، وتألق نورها، وهديت إلى صراط مستقيم.
أدم تذكير نفسك بالله، وتوجه إليه كأنك تنظر إليه، فإن لم تستطع أن تبلغ هذا المستوى-فاعبده على أنه يراك، وهذه هي رتبة الإحسان، وتتحقق هذه الرتبة العالية كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم بأن : (تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
ذكر نفسك بأن ربك وإلهك وسيدك مطلع عليك دائما، أحاط علمه بكل شيء، وقد حدثنا الحق عن علمه الواسع الشامل فقال: {ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}(سورة الأنعام: 59).
وحدثنا ربنا عن إحاطة علمه بنا، في أعمالنا البادية، وأسرارنا الخافية فقال: {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله}(سورة آل عمران: 29). {وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم}(سورة الأنعام: 3). {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرأن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه}(سورة يونس: 61).