عمر شكري مؤسس المنتـــــــــدي
عدد المساهمات : 4296 نقاط : 8039 تاريخ التسجيل : 23/03/2009 67 الموقع : منتدي الله أكبر الإسلامي
| |
عمر شكري مؤسس المنتـــــــــدي
عدد المساهمات : 4296 نقاط : 8039 تاريخ التسجيل : 23/03/2009 67 الموقع : منتدي الله أكبر الإسلامي
| موضوع: رد: بعد العاصفة !! الأحد 17 مايو 2009, 1:29 pm | |
| [size=21]ولما سألناه عن تصرف قائده الصارم في الغياب الذي إقترفه ، ضحك وقال جادّا؛أنه روى للقائد مثل ماروى لنا ؛ فما كان من قائده أن وقع عليه جزاء الحبس عشرة أيام قائلا له ( وأي دمعة حزن لا.لالالا ) !!
وبعد إنتهاء الجزاء قام بترحيله وكان الرويعي من نصيبنا ..
من نصيب وحدتناالتي لا تصلح للحيوان . أو الإنسان الحيوان !!
وكان أول من أكتشف مواهب الرويعي هو النقيب صلاح مسؤول الشئون الإدارية ، فقد كانت لصلاح بشرة بيضاء حساسة، وجسد مترهل ، وكاد يطلق النار على نفسه ذات مرة فى الأيام الأولى لخدمته في هذا الموقع الأليم يأسا من لدغات الحشرات التي تترك أثرا وإحمرارا وتهيجا على وجهه وكل جسده . حتى تطوع الرويعي بحل المشكة !!
فقد طهَّر الرويعي ملجأ النقيب صلاح بسكب بعض السولار على الأرضية الأسمنتية ، وعلى شكائر الرمل المغطي بها الجدران والسقف لمنع تهايل الملجأ فوق الرؤوس ، ثم إستغل الرويعي وجود النقيب صلاح للتدريب طوال اليوم ، وأحكم غلق الملجأ، إلا من فتحات التهوية .. ومن يومها عرف النقيب صلاح طعم الراحة ، وقد حكى لنا ذلك ، فقد كنا نعاني أيضا وإن لم نكن نفصح إمعانا في الخشونة التى يجب أن نتحلى بها ..
وتم تعيين الرويعي ليكون مسؤولا عن شئوننا . وقد برع وتألق في ذلك ..
كانت قوة الضباط في هذه الوحدة الصغيرة خمس ضباط .القائد ، وأربع كنت أنا أحدهم ، وست وستون من الدرجات الأخرى ..
وكان الرويعي ملاذ الجميع أيضا . حتى زملائه ، فمن يحتاج لسلفة مالية يلجأ للرويعي فمرتبه كما هو لا ينقص بل يزيد نظرا لعدم قيامه بأجازاته ..
كما كان فى الأوقات التى يشعر أنها مناسبة يتدخل لرفع الجزاءات التى وقعها القائد ( المبالغ في قسوته) على بعض المخالفين . فيختار الوقت المناسب كزوجة عاقلة تنوي عرض مطالبها المالية على زوجها !! ، وعادة ما يكون هذا الوقت المناسب هو عقب وجبة العشاء أو وليمة العشاء التي ينصبها لنا فى تلك الإستراحة التى أنشأها لنا أيضا فى مكان يتوسط ملاجئ الضباط ، وفى مواجهة حوض الطماطم والجرجير .. فقد إختار شريحة من الأرض قام بتطهيرها وتسويتها ، وغطاها بخليط من الأسمنت والمياه والذى كنا نحصل عليه بالتراضي أو بالإستيلاء من حافلات إحدى الشركات الكبرى للمقاولات التى كانت تمر على الطريق الرئيسي ، والتى كانت مكلفة بإنشاء القواعد الخرسانية لبعض الوحدات المقاتلة فى الجوار ..
كما سوَّر الرويعي هذه الإستراحة بسور من الأخشاب و كساه بأقمشة الخيام القديمة المتناثرة فى المكان ، ولم ينس أن يملؤها بالوسائد التى صنعها بنفسه من المراتب القديمة ، والتى خرجت أحشاؤها من فرط الإستعمال والرطوبة والحرارة ، ولم ينس تلك المصطبة المستطيلة التى توسطت المكان لنتناول عليها وجباتنا ..وكان القائد عادة ما يستجيب لوساطة الرويعي وإلغاء الجزاءات أو تخفيفها ..
كان هذا هو المكان المحبب الذي نقضي به بعض ساعات الليل الأولى نتسامر ونعرض مصاعبنا ومطالبنا على القائد .. كنا كأسرة واحدة يملؤها الحب والعمل ..
وفجأة حدث ما عكر الأمور .. لقد حدثت مآساة في نهاية يوم من الأيام المتشابهة سيظل محفورا في ذاكرتنا ، وليذكرنا دوما أن تلك العبارة التى دونت على الخريطة( منطقة غير صالحة للحيوان ) . كان يجب أن تستبدل بعبارة أخرى تقول :
" ذات يوم عاش هنا بعض الحيوانات الآدمي " !!
فذات صباح أغبر ، ثارت عاصفة من الرمال الناعمة وكادت تردمنا أو قد ردمت أنا بالفعل!! ، وغطت الرمال الناعمة أسلحتنا و معداتنا ، فالرمال الناعمة أشبه بالهواء ، لا يمنعها من التسرب إلى الأشياء إلا إحكام الغلق التام ..
كنت قد أنهيت تدريبي الليلي مع رجالي قبل أول ضوء .. قبل أن نرى الشروق .. وجدت الرويعي في إنتظارنا .. طلبت منه عدم إيقاظي إلا للضرورة ، وإستلقيت على فراشي منهكا ..
لم أعرف كم من الوقت مضى حتى أحسست بأني أختنق .. وعندما فتحت عيني إمتلأت توا برمال العاصفة.. فلم أعد أرى أو أتنفس ، فأدركت أننى هالك لا محالة .. لحظات وشعرت بمن يجذبني ، ثم شعرت بالمياه تغمرني .. وعندما إستطعت أن أفتح عيني وجدت الرويعي .. رحت في نوبة سعال طردت كل الرمال من صدري ، كما قام بتشغيل مروحة تعمل على إحدى البطاريات التي كنا نستخدمها في الإضاءة ..لقد أعادني الرويعي للحياة بفضل الله ، ويقظته..
حتى ذلك الإناء الكبير الذى طهى لنا فيه الرويعي وجبة من العدس الساخنة لكي نعتمد عليها فى الصباح . تغطى وردم بالرمال !!
كل أطعمتنا المكشوفة إختلطت بغضب الطبيعة ، ولم يكن لنا البديل إلا تلك المعلبات المحفوظة ألتي كنا نسيناها منذ إكتشافنا للرويعى ، فقد كان يستخدمها ، ولكنه يقوم بتحسينها فتصبح أشبه بالوجبات التى نتناولهافى منازلنا أثناء الأجازة إن لم تكن أجود !!
بعد إنحسار العاصفة ، أصبحت الوحدة كخلية من النحل ، الكل يعرف دوره ، فإنعكفنا لتطهير الأسلحة والمعدات ..
وأخذ الرويعى على عاتقه وحده بدون أى مساعدة فى إعادة شئوننا الإدارية على ما كانت عليه ، وأعاد طهى العدس ووزعه علينا وعلى الجنودمع قطعة من الجبن المحسنه بواسطته .. فقد كان يستغل علب الصفيح الفارغة ويعيد فيها تصنيع الجبنة الميري بإضافة قرون الفلفل والبهارات ، فيغيـِّر معالمها ومذاقها .. أما الخبز الميري (الحجري) فلم نستطع حتى الآن أن ندرك ماكان يفعله الرويعي ليجعله كأنه خرج من الفرن توا !!
وفي المساء إجتمعنا منهكون (بعد العاصفة) فى إستراحتنا كالمعتاد..
ولكن القدر مازال في جعبته ذروة المآساة !!
[/size] | |
|
عمر شكري مؤسس المنتـــــــــدي
عدد المساهمات : 4296 نقاط : 8039 تاريخ التسجيل : 23/03/2009 67 الموقع : منتدي الله أكبر الإسلامي
| موضوع: رد: بعد العاصفة !! الأحد 17 مايو 2009, 1:31 pm | |
| [size=21]كان القائد أكثرنا توترا لما تحمَّله طوال اليوم من ضرورة إستعادة الإستعداد القتالي والإداري للجنودوالأسلحة والمعدات ..
وتقدم الرويعي بأكواب الشاي الساخنة . وضعها على المصطبة ، وإنزوى في مكان قريب وقد بدى عليه الإرهاق الشديد للمهام التى تحملها بمفرده هذا اليوم الأغبر ..
إمتدت أيدينا لأكواب الشاي ونحن نغالب النعاس ، وفجأة قذف النقيب صلاح ذو البشرة البيضاء والجسد المترهل ء بكوب الشاي فى الهواء والذى كان قد إلتقطه توا !!
إلتفتنا بدهشة إلى صلاح نسأله عن الذى حدث ؛ فقال ضاحكا بخجل : وجدت حشرة صغيرة على حافة الكوب !!
رحنا نضحك بهستيرية .. وفجأة خطر للقائد فكرة( مازحة)!!!
وإعتقدنا أننا سنقتل بها الإرهاق الذى نالنا فى هذا اليوم ..
لقد إقترح القائد محاكمة الرويعي بتهمة وجود حشرة فى كوب الشاي بغرض التخلص من أحد ضباط الوحدة برتبة النقيب !!
عجبتنا هذه الدعابة وقررنا تشكيل المحكمة
الوهمية !!
جعلنا من القائد رئيسا للمحكمة ، والنقيب صلاح ممثلا للإدعاء .. وأنا تطوعت لأكون المحام الذي يدافع عن المتهم .. أما الإثنان الباقيان من الضباط أحدهما عضو يمين ، والآخر عضو يسار ..
أيقظ النقيب صلاح، الرويعي الذي كان قد غلبه النعاس من الإرهاق ، فهب مذعورا ملبيا النداء ..
أخطره النقيب صلاح بعد أن رسم ملامح الجدية على وجهه بأمر المحكمة العسكرية الوهمية!!
لم ينطق الرويعي ، ولكنه إعتدل فى وقفته وشد يده للخلف ورفع قامته وإستعدل غطاء رأسه الذي كان منحرفا لأحد الجانبين ، وإستعد للمحاكمةالمازحة !!.. وليتنا لم نمازحه !!
كنا نمسك أنفسنا بصعوبة من الضحك ؛ خاصة وأن الدعابة إنطلت على الرويعي . وتهيأ للمحاكمة، وبدت على قسماته خليط من التأثر ممزوجا بالأسف لما إقترفه دونما قصد !!
وبعد أن تلـَى صلاح الإدعاءمسترسلا ومؤكدا نية الرويعي في التخلص منه !! ، وقفت أترافع عن الرويعي طالبا من هيئة المحكمة تخفيف الحكم ، نظرا لما قام به الرويعي هذا اليوم من جهود خارقة بدأها بإنقاذى من الموت خنقا!!
لمحت الدموع في عين الرويعي .. أوشكت أن أنهي تلك المهزلة..
ولكننا فوجئنا بالقائد يصدر الحكم بإعدام الرويعي رميا بالرصاص وتوا !!
نطق القائد بهذا الحكم وملامحه جامدة لا أثر للمزاح فيها حتى كدت أن أصدق أن ما يجرى أمامي هو حقيقة !!
أخرج القائد سلاحه وشاهدته من تحت المصطبة ينزع خزنة الطبنجة ، ويسحب الأجزاء ببطئ ليتأكد من خلو ماسورة السلاح من الطلقات ، ثم رفع سلاحه الفارغ من الطلقات مصوبا إياه على رأس الرويعي !!
وفجأة سقط الرويعي كقطعة من الصخر إنفصلت من فرط قسوة الطبيعة .والإنسانية !!
مات الرويعي !!
وآخر ما رأيته وأتذكره قبل ترحيلى من الوحدة بحراسة مشددة ، صندوق من الخشب رمادي اللون وضعت به جثة الرويعي بعد إستلامها من المشرحة ، والنقيب صلاح يحث الأفراد لرفع نعش الرويعي إلى صندوق العربة التي ستقله إلى مقابر الشهداء ، حاملا في يديه بضعة أوراق رسمية موقعة ومختومة تفيد بأن الوفاة (طبيعية) !! نتيجة هبوط بالدورة الدموية !!
أما أنا فقد علمت أثناء التحقيق بأننني أخرجت طبنجتي بهدوء ، وسحبت أجزائها أيضا بهدوء ، وساعدني في صمت الأجزاءأن السلاح قد تم تنظيفه وتزييته توا (بعد العاصفة) .. وصوبت سلاحى لرأس القائد الذي وقف مشدوها .. وبكل هدوء أطلقت ثلاث طلقات على رأسه الذي إنفجر في التو ..
ثم أفرغت ثلاث طلقات أخرى على قلبه!! ويبدو أنني فعلت هذا كى أتاكد من سحق هذا القلب أو تلك الصخرة التي أشبه بالقلب !!
*تمت*
[/size] | |
|