فأخبر صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره. لهذا تجد اثنين تطرقهما نائبة من نوائب الخير أو الشر فيتفاوتان تفاوتاً عظيماً في تلقيها، وذلك بحسب تفاوتهما في الإيمان والعمل الصالح. هذا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر بما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما، فيحدث له السرور والابتهاج، وزوال الهم والغم، والقلق، وضيق الصدر، وشقاء الحياة وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار. والآخر يتلقى المحاب بأشرٍ وبطرٍ وطغيان. فتنحرف أخلاقه ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع، ومع ذلك فإنه غير مستريح القلب، بل مشتته من جهات عديدة، مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته، ومن كثرة المعارضات الناشئة عنها غالباً، ومن جهة أن النفوس لا تقف عند حد بل لا تزال متشوقة لأمور أخرى، قد تحصل وقد لا تحصل، وإن حصلت على الفرض والتقدير فهو أيضاً قلق من الجهات المذكورة ويتلقى المكاره بقلق وجزع وخوف وضجر، فلا تسأل عن ما يحدث له من شقاء الحياة، ومن الأمراض الفكرية والعصبية، ومن الخوف الذي قد يصل به إلى أسوأ الحالات وأفظع المزعجات، لأنه لا يرجو ثواباً. ولا صبر عنده يسليه ويهون عليه.
وكل هذا مشاهد بالتجربة، ومثل واحد من هذا النوع، إذا تدبرته ونزلته على أحوال الناس، رأيت الفرق العظيم بين المؤمن العامل بمقتضى إيمانه، وبين من لم يكن كذلك، وهو أن الدين يحث غاية الحث على القناعة برزق الله، وبما آتى العباد من فضله وكرمه المتنوع.
فالمؤمن إذا ابتلي بمرض أو فقر، أو نحوه من الأعراض التي كل أحد عرضة لها، فإنه - بإيمانه وبما عنده من القناعة والرضى بما قسم الله له - يكون قرير العين، لا يتطلب بقلبه أمراً لم يقدر له، ينظر إلى من هو دونه، ولا ينظر إلى من هو فوقه، وربما زادت بهجته وسروره وراحته على من هو متحصل على جميع المطالب الدنيوية، إذا لم يؤت القناعة.
كما تجد هذا الذي ليس عنده عمل بمقتضى الإيمان، إذا ابتلي بشيء من الفقر، أو فقد بعض المطالب الدنيوية، تجده في غاية التعاسة والشقاء.
ومثل آخر: إذا حدثت أسباب الخوف، وألمت بالإنسان المزعجات، تجد صحيح الإيمان ثابت القلب، مطمئن النفس، متمكناً من تدبيره وتسييره لهذا الأمر الذي دهمه بما في وسعه من فكر وقول وعمل، قد وطن نفسه لهذا المزعج الملم، وهذه أحوال تريح الإنسان وتثبت فؤاده.