المسيري توفي عن 70 عاما بعد أن ترك إرثا يضم العشرات من المؤلفات باللغتين العربية والإنجليزية، أبرزها موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية".
توفي الكاتب والمفكر المصري المرموق عبد الوهاب المسيري عن 70 عاما، في القاهرة مساء الأربعاء الماضي 2-7-2008 بعد كفاح مرير ضد مرض سرطان الدم. وعلى الرغم من ان الداء العضال قد أورثه الكثير من المتاعب والآلام لعدة سنوات، إلا انه لم يفل عضده في متابعة أعماله البحثية ودراساته.
والمسيري هو صاحب موسوعة "اليهود واليهودية والصهيونية" التي تعد واحدة من أهم الموسوعات السياسية والتاريخية في القرن العشرين.
وكان المسيري، وهو واحد من أبرز المثقفين المصريين المعارضين لسلطة الرئيس حسني مبارك، قد نقل الى مستشفى "فلسطين" في القاهرة مساء الأربعاء بعد أن تدهورت صحته بشدة عقب تعرضه لآلام شديدة في العظام.
ولد المسيري في دمنهور في أكتوبر-تشرين الاول عام 1938 وتخرج من كلية الآداب عام 1959، وحصل على الماجستير في الأدب الإنكليزي المقارن من جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1964، وعلى الدكتوراه من جامعة رتجرز بولاية نيوجيرسي الامريكية عام 1969.
وعند عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود (1983 الى 1988)، كما عمل أستاذا زائرا في أكاديمية ناصر العسكرية، وجامعة ماليزيا الإسلامية، وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام (1970 الى 1975)، ومستشارا ثقافيا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك (1975 الى 1979).
وتتضمن قائمة مؤلفات المسيري العشرات من الكتب المنشورة باللغتين العربية والأنجليزية، ولكن "موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد" التي صدرت في ثمانية مجلدات عام 1999، تعد من أبرزها، خاصة وانه إستغرق في كتابتها نحو 25 عاما.
وصدر للمسيري "مختارات من الشعر الرومانتيقي الإنكليزي: النصوص الأساسية وبعض الدراسات التاريخية والنقدية" في عام 1979، و"الفردوس الأرضي: دراسات وانطباعات عن الحضارة الأمريكية" في عام 1979، و"الجمعيات السرية في العالم" في عام 1993، و"إشكالية التحيز: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد" في عام 1993، و"الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ: رؤية حضارية جديدة" في عام 1998، و"العلمانية تحت المجهر" في عام 2000، بالاضافة الى مذكراته التي صدرت في عام 2001 تحت عنوان "رحلتي الفكرية" في البذور والجذور والثمر: سيرة غير ذاتية غير موضوعية".
ويعد المسيري واحدا من أكثر الكتاب والمفكرين العرب غزارة في الانتاج، فهو أصدر، على سبيل المثال في عام 2002 وحده سلسلة كتب تضمنت، "أغنيات إلى الأشياء الجميلة : ديوان شعر للأطفال" (دار الشروق، القاهرة). و"انهيار إسرائيل من الداخل" (دار المعارف، القاهرة). و"الإنسان والحضارة والنماذج المركبة: دراسات نظرية وتطبيقية" (دار الهلال، كتاب الهلال، القاهرة). و"مقدمة لدراسة الصراع العربي ـ الإسرائيلي: جذوره ومساره ومستقبله (دار الفكر، دمشق). و"الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان" (دار الفكر، دمشق 2002). و"اللغة والمجاز: بين التوحيد ووحدة الوجود" (دار الشروق، القاهرة). و"العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" (جزءان، دار الشروق، القاهرة).
ويعتبر المسيري، من بين "المفكرين الاسلاميين الجدد" الذين حاولوا تقديم منظور نقدي للعلمانية وتأسيس منهج معرفي قائم على المراجع الاسلامية.
وأنتخب المسيري في يناير-كانون الثاني عام 2007 منسقا عاما لحركة "كفاية" خلفا لمنسقها الاول جورج اسحاق لكونه يحظى باحترام طيف واسع من السياسيين والنشطاء المصريين. ودأب، رغم مرضه، على قيادة نشاطاتها والمشاركة في فعالياتها الجماهيرية، ومنها التظاهرات الأخيرة، للاحتجاج على إرتفاع أسعار الخبز.
كما شارك المسيري، قبل ذلك، في عدة مظاهرات نظمتها الحركة للاحتجاج على غياب الديموقراطية في مصر وواحتجاجا على التكهنات القائلة بان الرئيس المصري حسني مبارك يسعى الى توريث السلطة لنجله الأصغر جمال مبارك.
وحصل المسيري على عدة جوائز من بينها جائزة سوزان مبارك لأحسن كاتب لأدب الطفل عام 2000 ، وجائزة أحسن كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب عن كتابه "رحلتي الفكرية" عام 2001 ، وشهادة تقدير من منظمة فتح الفلسطينية عام2001، وجائزة سلطان العويس بالإمارات العربية المتحدة عن مجمل انتاجه الفكري عام 2002.
وتنشر مقالات المسيري في العديد من الصحف في مختلف أرجاء العالم العربي، وظل صوته مسموعا في الكثير من المحافل السياسية والأكاديمية والندوات. وكان مقال "الجيش الإسرائيلي والأعراض الفيتنامية" من بين آخر ما كتب، نقل فيه العديد من الشهادات، من داخل إسرائيل وخارجها، تثبت أن ما يسمى "جيش الدفاع الإسرائيلي" الذي يعد حجر الزاوية للهوية الكيانية لإسرائيل ومركز ثقل المجتمع والسياسة فيها، بات "في وضع عسكري مترهل وانه جسد منتفخ، منحل وليس فيه عضلات، وأن القدرة على تحقيق النصر بدأت تقل، وأن الجيش الإسرائيلي يفتقر إلي القدرة على التغلب على مقاومة قوات معادية صغيرة".
وتمثل معرفة المسيري بطبيعة المجتمع الإسرائيلي وتكنويناته وثقافته مرجعا فريدا بشموليته لكل باحث في الشؤون الإسرائيلية. وبناء على هذه المعرفة الدقيقة والشمولية، فقد دافع المسيري عن اعتقاده القائل بان هذا الكيان الهش والمزيف لن يستطيع العيش أكثر مما عاش في فلسطين المحتلة. ومع احتفال إسرائيل بالذكرى الستين لإقامته، أعلن المسيري انه هذا الكيان سيزول في غضون 50 عاما.
ونفى المسيري أن يكون لهذا التوقع علاقة بالتشاؤم أو التفاؤل مشددا على أنه يقرأ معطيات وحقائق في سياقها الموضوعي ويستخلص ما يمكن أن تسفر عنه من نتائج.
وقال ان الباحثين الاسرائيليين أنفسهم لا ينكرون هذا الخوف حتى أصبحت "كمية الكتابات (في اسرائيل)عن نهاية اسرائيل مملة"، مضيفا أن هذا الهاجس لازم مؤسسي اسرائيل ومنهم ديفيد بن غوريون أول رئيس للوزراء الذي ألقى في عام 1938 "خطبة في منتهى الجمال والصدق" تضمنت أن الجماعات اليهودية في فلسطين لا تواجه "ارهابا".
وقال المسيري ان بن غوريون عرف الارهاب بأنه "مجموعة من العصابات ممولة من الخارج.. ونحن هنا لا نجابه ارهاباً وانما حرباً. وهي حرب قومية أعلنها العرب علينا.. هذه مقاومة فعالة من جانب الفلسطينيين لما يعتبرونه اغتصاباً لوطنهم من قبل اليهود.. فالشعب الذي يحارب ضد اغتصاب أرضه لن ينال منه التعب سريعاً".
وكان المسيري يعد موسوعة جديدة بعنوان "الصهيونية واسرائيل" تتناول اسرائيل من الداخل.. مجتمعاً ومؤسسات. وقال انه يهدف منها تعميق فهم "هذا الكيان الاستيطاني حتى تتحسن كفاءتنا في المواجهة معه كدولة وظيفية" لا تختلف كثيراً في رأيه عن دولة المماليك التي نشأت في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي واستمرت 267 عاما. وقال أن "الطبيعة الوظيفية" لاسرائيل تعني أن "القوى الاستعمارية اصطنعتها وأنشأتها للقيام بوظائف ومهام تترفع عن القيام بها مباشرة.. هي مشروع استعماري لا علاقة له باليهودية". ولكنه شدد على ان التشابه بين وظيفة اسرائيل ودولة المماليك لا يعني أن تستمر اسرائيل 267 عاما "فالدورات التاريخية أصبحت الان أكثر سرعة مما مضى.. العدو الان في حالة تقهقر بعد أن لحقت به هزائم عسكرية متوالية منذ حرب الاستنزاف (في نهاية ستينت القرن العشرين) وحرب 1973 والانتفاضة الاولى (1987-1993) والانسحاب من جنوب لبنان والانتفاضة الثانية (2000) والحرب السادسة" في اشارة الى الحرب التي شنتها اسرائيل في صيف 2006 ضد جماعة حزب الله في لبنان والتي أثبتت أن الجيش الاسرائيلي يمكن أن "يهزم".
السبت 18 أبريل 2009, 8:22 pm
