[size=21]إن الحمد لله نحمده نستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102){ سورة آل عمران . }يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1){ سورة النساء . }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71){ سورة الأحزاب، أما بعد،،،
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:[إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسالوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم] رواه الحاكم وهو في الصحيحة وقال الهيثمي:رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن . وتعتري قلب المؤمن في بعض الأحيان سحابة من سحب المعصية، فيظلم وهذه الصورة صورها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:[ ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينا القمر مضيء إذ علته سحابة فأظلم، إذ تجلت عنه فأضاء] رواه أبو نعيم في الحلية وهو في الصحيحة . ومن المرتكزات المهمة في فهم قضية ضعف الإيمان وتصور علاجها هو: معرفة أن الإيمان يزيد وينقص، وهذا من صميم اعتقاد أهل السنة والجماعة، وقد دلت على هذا الأدلة من الكتاب والسنة. وفيما يلي ذكر عدد من الوسائل الشرعية التي يمكن للمرء المسلم أن يعالج بها ضعف إيمانه، ويزيل قسوة قلبه بعد الاعتماد على الله عز وجل، وتوطين النفس على المجاهدة:
1- تدبر القرآن العظيم: ولا شك أن فيه علاجاً عظيماً، ودواء فعالاً قال الله عز وجل: }وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(82){ سورة الإسراء أما طريقة العلاج، فهي التفكر والتدبر ( وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتدبر كتاب الله، ويردده وهو قائم بالليل، حتى إنه في إحدى الليالي قام يردد آية واحدة من كتاب الله، وهو يصلي لم يجاوزها حتى أصبح وهي قوله تعالى: }إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(118){ سورة المائدة ) رواه أحمد .
وقد كان صحابته صلى الله عليه وسلم يقرأون ويتدبرون ويتأثرون، وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلاً أسيفا رقيق القلب إذا صلّى بالناس وقرأ كلام الله لا يتمالك نفسه من البكاء، ومرض عمر من أثر تلاوة قول الله تعالى: }إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ(7)مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ({ سورة الطور وقال عثمان رضي الله عنه لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله) . ومن أعظم التدبر: أمثال القرآن؛ لأن الله سبحانه لما ضرب لنا الأمثال في القرآن؛ ندبنا إلى التفكر والتذكر، فقال: } وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(25){ سورة إبراهيم وقال: } وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(21){ سورة الحشر . ويلخص ابن القيم رحمه الله ما على المسلم أن يفعله لعلاج قسوة قلبه بالقرآن، فيقول:"ملاك ذلك أمران: أحدهما: أن تنقل قلبك من وطن الدنيا، فتسكنه في وطن الآخرة، ثم تقبل به كله على معاني القرآن واستجلائها، وتدبر وفهم ما يراد منه، وما نزل لأجله، وأخذ نصيبك من كل آياته، وتنزلها على داء قلبك، فإذا نزلت هذه الآية على داء القلب برئ القلب بإذن الله " .
2- استشعار عظمة الله عز وجل، ومعرفة أسمائه وصفاته، والتدبر فيها، وعقل معانيها: واستقرار هذا الشعور في القلب، وسريانه إلى الجوارح؛ لتنطق عن طريق العمل بما وعاه القلب، فهو ملكها وسيدها وهي بمثابة جنوده وأتباعه، فإذا صلح صلحت، وإذا فسد فسدت . والنصوص من الكتاب والسنة في عظمة الله كثيرة إذا تأملها المسلم ارتجف قلبه وتواضعت نفسه للعلي العظيم وخضعت أركانه للسميع العليم وازداد خشوعاً لرب الأولين والآخرين .
3- طلب العلم الشرعي: وهو العلم الذي يؤدي تحصيله إلى خشية الله وزيادة الإيمان به كما قال الله تعالى:}إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28){ سورة فاطر فلا يستوي في الإيمان: الذين يعلمون والذين لا يعلمون: }قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ(9){ سورة الزمر .
4- لزوم حلق الذكر: وهو يؤدي إلى زيادة الإيمان لعدة أسباب منها: ما يحصل فيها من ذكر الله، وغشيان الرحمة، ونزول السكينة، وحف الملائكة للذاكرين، وذكر الله لهم في الملأ الأعلى، ومباهاته بهم الملائكة، ومغفرته لذنوبهم، كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم:[ لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ] رواه مسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد. وقال صلى الله عليه وسلم:ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل لهم: قوموا مغفوراً لكم ]صحيح الجامع. قال ابن حجر رحمه الله:ويطلق ذكر الله ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم . وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على الجلوس للذكر ويسمونه إيماناً، قال معاذ رضي الله عنه لرجل اجلس بنا نؤمن ساعة ) . 5- الاستكثار من الأعمال الصالحة وملء الوقت بها: وهذا من أعظم أسباب العلاج، وهو أمر عظيم وأثره في تقوية الإيمان ظاهر كبير، وقد ضرب الصديق في ذلك مثلاً عظيماً لما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا] قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ:[فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً] قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ:[فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا] قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا قَالَ:[ فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا] قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ] رواه مسلم . فهذه القصة، تدل على أن الصديق رضي الله عنه كان حريصاً على اغتنام الفرص، وتنويع العبادات ولما وقع السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم مفاجئاً دل ذلك على أن أيام أبي بكر رضي الله عنه كانت حافلة بالطاعات. وينبغي أن يراعي المسلم في مسألة الأعمال الصالحة أموراً منها:
[/size]