الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أمّا بعد:
فإنّ التدخين وباء خطير، وشر مستطير، وبلاء مدمر.
وقد وقع في شَرَكِه فئام من النّاس، وكثير من أولئك يملكون قلوباً حية، وعواطف للإسلام قوية، إلاّ أنّهم بلوا بالتدخين، وأكثر هؤلاء لا يكابرون في ضرر التدخين، ولا يشكّون في أثره وحرمته، بل تراهم يؤمّلون في تركه، ويسعون للخلاص منه؛ فلهؤلاء حق على إخوانهم أن يعينوهم ويأخذوا بأيدهم.
ولو توجهت بالسؤال إلى كل مدخن وقلت له: "لماذا تدخن" لأجابوك إجابات مختلفة، فمن قائل: أدخن إذا ضاق صدري؛ كي أروّح عن نفسي، ومن قائل: أدخن كي أتسلى في غربتي، وبعدي عن أهلي، إلى قائل: أدخن إذا سامرت زملائي؛ ليكتمل فرحي وأنسي، إلى قائل: أدخن، لأتخلص من القلق، والتوتر، والغضب، إلى قائل: أدخن مجاملة للرفاق، إلى قائل: أدخن بفرط إعجابي بفلان من النّاس، فهو يدخن وأنا أتابعه، وأعمل على شاكلته، إلى مسكين يقول: تعلقت به منذ الصغر فعزّ عليّ تركه، إلى مكابر عنيد يقول: أدخن لقناعتي بجدوى التدخين؛ فلا ضرر فيه، ولا عيب، ولا حرمة.
هذه ـ تقريباً ـ هي الأسباب الحاملة على التدخين، فإذا كان الأمر كذلك، فاسمح لي أيّها الأخ الحبيب بالحوار معك مدة يسيرة؛ عسى أن نصل إلى نتيجة مرضية.
أخي الحبيب: ألست مقتنعاً في حرمة التدخين، ومن أثره البالغ؟ ألا تفكر جاداً في تركه إلى غير رجعة؟ ستقول: بلى، ولكن آمل أن أزداد قناعة بضرر التدخين، وإمكانية تركه، وأقول لك: إليك ما تريد، فأعرني سمعك قليلاً، وأصغ فؤادك لما أقول:
1- أخي الحبيب: تذكر قبل كل شيء أنّك عبد لله، وأكرم بها من عبودية، فعبوديتك لله تحررك من كل شيء حتى من نفسك التي بين جنبيك، فتصبح حراً طليقاً عبداً لرب واحد لا لأرباب متفرقين.
وإنّ مقتضى عبوديتك لله أن تطيعه فلا تعصيه، وذلك عنوان فلاحك وسعادتك، إذا تقرر هذا عندك، فتذكر أنّ الدخان خبيث، وأنّه تبذير وإسراف، وأنّه قتل للنفس، وإلقاء باليد الى التهلكة، وأنّه إيذا للمسلمين، فهل هذه الأمور من طاعة الله، أو من معصيته؟
2- التدخين يبعث على النفور منك، ومن مجالستك، بل والسلام عليك؛ لأنّ رائحتك لا تشجع على شيء من ذلك.
3- التدخين قد يتسبب في حرمانك من نعمة الذرية، فهو يضعف النسل، ويضعف القدرة الجنسية، بل وربّما قاد إلى العقم.
4- وإذا رزقت بأولاد فربما تعرضوا للتشويه، ونقص النمو، وزيادرة العيوب الخلقية؛ فللتدخين أثر بالغ على صحة أولاد المدخن.
5- وإذا رزقت أولاداً، فلا شك أنّك ترغب في صلاحهم واستقامتهم ورجولتهم، وإذا كنت مدخناً ربّما كانت النتيجة عكس ذلك تماماً؛ فربما تسببت في إغوائهم، وانحرافهم، لأنّهم مولعون بمحاكاتك وتقليدك.
6- التدخين قد يصرفك عن بر والديك، وصلة أرحامك؛ لأنّك تخشى علمهم بأنّك تدخن، فلهذا تتحاشى قربهم، وتألف البعد عنهم، فأي خير يرجى من عمل يتسبب في عقوق والديك وقطيعة أرحامك؟
7- بالتدخين تساهم في خذلان أمتك، ودعم أعدائها الذين يحاربونها ليل نهار.
وبفضل جهدك قد غدوت لصانعي *** تلك السموم السود خير معين
تحبوهم المال الذي لولاه لم *** يجدوا السبيل لكيد هذا الدين
8- بالتدخين تقصّر عمرك، وتهدد حياتك بالفناء؛ فمعظم وفيات العالم الصناعي إنّما هي بسبب التدخين، حيث يموت سنوياً في العالم بسبب التدخين وحده مليونان وخمسمائة ألف شخص، فالدخان يجلب لك الموت العاجل، فضلاً عن أنّ سنوات العمر الأخير تكون معاناة من الأثر السيء للدخان.
وقد أجمعت البحوث العلمية على أنّ السجائر هي من كبرى المهلكات التي تصيب الإنسان بالعجز، وتهدده بالفناء.